ما يجري في بلدان المشرق الإسلامي، يحمل مؤشرات خطيرة على مستقبل المنطقة بأكملها، فالمخطط الإيراني الاستيطاني الاستئصالي المرضي عنه أميركياً مستمر في إسقاط حواضر العالم الإسلامي الواحدة تلو الأخرى.
وبات من الطبيعي على سبيل المثال لا الحصر، أن يخرج علينا القيادي في فيلق القدس الإرهابي “ايرج مسجدي” ويقول “كان الخط الأمامي لمقاتلينا حتى الأمس هو آبادان وخرمشهر ومهران وحاج عمران ولكن الآن أصبح الموصل ولبنان وحلب وسوريا.
وكلما سقطت مدينة، تبدأ التهديدات باستهداف مدن أخرى، بل وبلدان أخرى، يحدث كل ذلك في ظل موت سريري فعلي لكثير من الأنظمة السياسية في البلدان الإسلامية، لا نتحدث هنا عن “مواجهة” بل على الأقل رد فعل لفظي، ولكن حتى الإدانة والاستنكار باتت غائبة، بل إن الطامة الكبرى أن هناك أنظمة عربية تؤيد جهاراً نهاراً ما يجري بحق المدن السورية والعراقية بحجة ما أسموه “محاربة الإرهاب”، رغم أن الوقائع والتجارب أثبتت أن المستهدف هو المكون السني فقط لا غير!.
أننا أمام مخطط محكم له أبعاد تاريخية عميقة، ومخطئ من يظن أن كتلة اللهب في المنطقة لن تتسع. |
المشروع الاستئصالي الإيراني يسعى لتغيير ممنهج لديموغرافية المنطقة (سوريا والعراق واليمن ولبنان كخطوة أولى ومن ثم الجزيرة العربية)، وقد نجحت إيران حتى الآن في تلك الاستراتيجية التوسعية فعلى سبيل المثال لا الحصر أقدمت مليشيات إيران العسكرية على تجنيس عشرات الآلاف من الشيعة من جنسيات محل السكان السنة الأصليين، كما حدث في عدة أحياء بدمشق كالسيدة زينب ومناطق عدة من سوريا، وكما حدث في أحياء عدة من بغداد إذ كان يتم إرسال رسائل التهديد والوعيد لقاطني الأحياء المختلطة، وعندما كانت العائلات ترفض الخروج كان يتم تصفية أئمة المساجد وبعض من شباب تلك العائلات لإجبارها على الخروج من تلك الأحياء، حدث ذلك أمام أنظار قوات الاحتلال الأميركي في العراق، وازداد فظاعة بعد خروج الأميركان، كما حدث في محافظات الجنوب العراقي وخصوصا البصرة، حيث تم تهجير الكثير من العائلات وتصفية العشرات من أئمة المساجد والشباب، والأمر نفسه حدث في حزام بغداد ومحافظة ديالى العراقية.
المشكلة الحقيقية، أننا أمام مخطط محكم له أبعاد تاريخية عميقة، ومخطئ من يظن أن كتلة اللهب في المنطقة لن تتسع، فمنذ عدة عقود كانت مركز الأبحاث الغربية ترسم لنا خرائط تظهر بلداننا مقسمة ومفتتة، وعليه فلا نستغرب صمت الغرب على الابادة الجماعية التي جرت في حلب والفلوجة وبعقوبة وتعز والرمادي والزبداني وحمص، فهذا هو مخططهم لتقسيم المنطقة، وهذه هي حدود الدم التي اختاروها لنا.
الغرب يدرك جيدا أن مع كل هذا التجييش الإيراني الهائل، ومع وجود عشرات الآلاف من المليشيات الموالية لإيران فإن المنطقة حتما ستجر إلى حرب إقليمية واسعة، فإيران تجاهر بأنها ستقيم حكومة إسلامية عالمية تحكم العالم الإسلامي، وللأسف قادة إيران لا يدركون أن مخطط الغرب على المدى البعيد سيستهدفهم كذلك، وأنهم اليوم ليسوا إلا أداة لتنفيذ مخططات نسجتها مراكز الأبحاث الأميركية.
ما يجري في المنطقة إذا، لم يعد سرا أو خافيا، على أحد إلا قلة قليلة أضاعوا البوصلة ولا أظن أنهم سيستعيدونها مجددا، ولابد من استراتيجية مواجهة على كافة الأصعدة، فالجميع مستهدف والأمر جلل. |
كل ما سبق لا ينبغي أن ينسينا أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي أشعلت النيران الطائفية في المنطقة، وهي التي انحازت لإيران وسلمتها العراق على طبق من ذهب، بل ودعمت مليشيات الحشد الشيعية التي يقودها قاسم سليماني بالغطاء الجوي العسكري في العراق، وصمتت عنها وهي تشاهد بأقمارها الصناعية أرتال تحمل عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين وهم يتجهون لقتل الشعب السوري وأطفاله.
الكيان الصهيوني أيضا مستفيد مما يجري، فإسرائيل الكبرى تمتد بحسبهم من الفرات إلى النيل، وهي بذلك تشمل أراضي شاسعة من سوريا والعراق وإخلاء تلك المناطق من السكان وتدمير مدنها يصب أيضا في الاستراتيجية الإسرائيلية المتعلقة بنبوءاتهم التوراتية.
ما يجري في المنطقة إذا، لم يعد سرا أو خافيا، على أحد إلا قلة قليلة أضاعوا البوصلة ولا أظن أنهم سيستعيدونها مجددا، ولابد من استراتيجية مواجهة على كافة الأصعدة، فالجميع مستهدف والأمر جلل، ولم يعد هناك من مجال لإضاعة مزيد من الوقت، ولابد من إنهاء المظلومية السنية في العراق وسوريا، أمن المنطقة بأكملها مرتبط بذلك، فإن استمرت هذه المظلومية فحتما سيدفع الجميع ثمن ذلك..